وقفت **روكسولانا** في مكانها، وهي تبتسم وتبص يمينها. انحنت عشان تشم ريحة وردة "لا تنسني" اللي كانت مزهرة بفرح. بتلاتها البنفسجية كانت بتلمع زي مجد الشمس، و شوية بقع بيضا متناثرة بينهم خلت شكلهم كأنه فيه حياة نقية بتتنفس فيهم. كانوا بيدوروا بهدوء من الشمال لليمين، وبعدين لقدام ولوراء، زي عروسة خجولة بترقص.
الوردة دي كانت مفضلة **روكسولانا** من بين كل الورود اللي بتزهر حواليها. وبعض من الورود دي شملت الزنبق، والورد الأحمر، والكركديه، وأزهار القنفذية، والأقحوان، وعباد الشمس. كان فيه كمان نبات الحليب اللي بيجذب الفراشات والحياة البرية اللي حواليه. وكل ده أي ست تانية ما عندهاش مانع تبص عليه. إلا **روكسولانا**. حتى وصيفاتها أحيانًا كانوا بيسألوها ليه بتحب الورد ده أوي كده.
افتكرت لما كانت صغيرة وأبوها كان بيروح يدور على مستوطنة جديدة ليهم، كان بيقطف شوية من ورد "لا تنسني" ويحطهم جنب سريرها لما كانت نايمة. كانت بتصحى تلاقيهم جنبها تاني يوم الصبح وبتعرف فورًا إن أبوها راح في الوقت ده. بس، لفتة الحب بتاعته كانت بتتحس من خلال الورد.
**روكسولانا** كانت بتنتمي لمجموعة قبائل اسمها دار سيلا. كانوا مجموعة من الناس اللي على طول بيتجولوا في العالم، ومؤخرًا لقوا مستوطنة في تشاد. بالمقارنة بأماكن تانية استقروا فيها، دي أطول مدة القبيلة قعدت فيها.
بصت **روكسولانا** على السلطنة اللي عملوها بيتهم المرة دي. ما كانوش بعيد أوي عن البحر، فبالتالي، كان دايما فيه مية عذبة وحيوانات بحرية متوفرة ليهم. كان فيه ورد أكتر من كفاية بينمو حوالين المكان، بيخليه أحلى من أي حاجة تانية. الأكواخ كانت متناثرة في كل أنحاء السلطنة، وكل واحدة شكلها حلو ومختلفة عن التانية. كان فيه غابة من الأشجار جنوبهم، كانوا بيصطادوا فيها فريسة جديدة وفاكهة.
كان فيه ساحة تدريب في المنطقة الشمالية، اللي كل الرجالة كانوا بيتمرنوا فيها. الستات مكنش مسموح ليهم يقربوا من الساحة، الاستثناء الوحيد كان **روكسولانا**. في الوقت اللي الرجالة بيتمرنوا، الستات كان ممكن تشوفهم بيعملوا حاجات تانية. حاجات زي الطبخ، والتنظيف، والغسيل، وتقليم الورد، ورعاية الأطفال. بعضهم كانوا بيقعدوا ويتكلموا على حاجات و أحيانًا على الرجالة.
شويه من الأطفال كانوا بيلعبوا وبيجروا ورا بعض. بعضهم كانوا بيحطوا فخاخ عشان يحصلوا على حيوانات صغيرة زي القوارض لأهلهم. و تانيين كانوا ببساطة بيساعدوا أهلهم في شغلهم اليومي. الأولاد اللي كبروا بما فيه الكفاية عشان يتمرنوا كانوا بيكونوا في ساحة التدريب، بيتعلموا المبادئ الأساسية للقتال.
ما كانوش دايما متجولين. أصلهم كان في تربة السودان. كانوا ناس مسالمين عمرهم ما تدخلوا في شؤون العالم إلا لو كان ليها تأثير عليهم. أبوها كان دايما يقولها إن السلام هو الطريقة الوحيدة اللي العالم ممكن يتوحد وينمو بيها، مش الحرب اللي الناس بيؤمنوا بيها.
**روكسولانا** عمرها ما فهمت ليه القبيلة ما تقدرش تقعد في مكان واحد لفترة طويلة، خصوصًا بعد ما أمها ماتت سنة ١٩٤٧. أبوها، **سليم بايزيد**، نقل القبيلة كلها بعيد عن البيت الوحيد اللي عرفوه. هي كانت عندها ١٠ سنين بس وقتها وأخوها، **أبان**، عنده ٥ سنين بس. مهما سألت، أبوها كان ببساطة بيقول إن ده في مصلحة القبيلة.
أبوها كان **سلطان** القبيلة. وعلى عكس معظم السلاطين التانيين، أبوها كان محبوب ومحترم من كل أفراد القبيلة. وليه لأ، وهو الراجل اللي دايما بيحط مصلحة شعبه قبل حاجاته هو، حتى قبل عيلته. حتى لما أمهم راحت ترتاح في جنة **الله** عز وجل، أبوهم كان في محادثات سلام مع سلاطين تانيين.
**روكسولانا** مسكت العقد اللي كان بيرتاح بهدوء بين صدرها. بعد موت أمها، ورثت العقد. بيساعدها تحس إنها مرتبطة بأمها، خصوصًا لما تكون متوترة. العقد كان هدية من أبوها لأمها كرمز للحب وأمها نقلته ليها قبل ما تموت.
في الوقت اللي سلاطين تانيين كانوا بيزوقوا الحريم بتاعتهم بالستات، أبوها حتى ما عملش واحدة. كان له عين واحدة بس لأمها وهي عايشة. حتى في موتها، الراجل كان لسه وفي. **روكسولانا** كانت بتتمنى تلاقي راجل زي أبوها يحبها دايما، بغض النظر عن إنهم مع بعض ولا لأ.
بيتهم كان مختلف شوية عن البيوت التانية اللي حواليهم، عشان أبوها هو **السلطان**. بس الخدم كانوا بأقل عدد ممكن وكانوا بيتعاملوا كأنهم عيلة من أفراد عيلة **السلطان**. أبوها حتى كان بيتأكد إن كل واحد منهم عنده كوخ عشان يعيش فيه لوحده ومش يتجمعوا زي علبة سجاير.
صوت الطبول اللي بتدق من بعيد طلع **روكسولانا** من تفكيرها، رجعها للواقع. هي تقريبا كانت نسيت إيه كانت مهمتها الأصلية. ابتسامة ظهرت على وشها. في النهاية، ده كان يومها الوحيد في السنة كلها عشان تعمل اللي بتعرف تعمله أحسن حاجة.
"يا **روكسولانا**، لو ما استعجلتيش دلوقتي، هنتاخر." قالت لها واحدة من وصيفاتها.
"طيب، يالا نستعجل." صرخت **روكسولانا** وهي بتجري بأقصى سرعة رجليها ممكنة.
كانت شايفه رجالة بيستعجلوا عشان يوصلوا للمكان، في الوقت اللي الستات بيستعجلوا في بيوتهم بيلبسوا حجابهم وكمان كيمورون. **روكسولانا** مسحت راسها المفتوح وفكرت بس قد إيه أبوها سمح لها إنها تاخد قرارات لنفسها. ابتسمت لنفسها.
"استعجلوا." قالت **روكسولانا** لمرافقينها.
قاعة الشهرة، زي ما كانوا بيسموها، كانت موجودة في نهاية السلطنة. **روكسولانا** ضحكت على محاولة وصيفاتها اللي ملهاش فايدة إنهم يلحقوا بيها. هي عارفة إنهم عمرهم ما هيقدروا يعملوا كده. في النهاية، هي كانت بتتدرب من ساعة الحادثة اللي أخدت أمها من ٧ سنين فاتوا. أبوها كان متأكد إنها مجتهدة وعمرها ما فوتت تدريب.
**روكسولانا** وقفت في مكانها لما كادت تصطدم بشخصية واقفة جنب باب قاعة الشهرة. بصت عشان تلاقي **أسليم** واقف زي الدمية من غير مشاعر.
"إيمتى هتتعلمي إنك تبطلي تجري حوالين نفسك، يا سيدتي؟" سألها **أسليم**.
**روكسولانا** حست إنها مولعة. **أسليم** كان جزء من فرقة الإنكشارية في قبيلتهم. بمعنى تاني، هو كان عضو من النخبة اللي شكلوا قوات القبيلة. ومش مجرد عضو، هو كان الجنرال. أبوه كان أعز أصدقاء أبوها و**روكسولانا** سمعتهم بيتكلموا عن إمكانية تحالف زواج بين العيلتين.
هي ما عندهاش مانع. هي على طول حبت **أسليم** من ساعة ما كانوا صغيرين. بس هو ما عندوش مانع يتمرن معاها لما تانيين ببساطة كانوا بيعتبروا ده تسلية ليها. هو اللي ساعدها تقنع أبوها إنها تسمح لها تلبس بنطلون عشان تتمرن كويس، حاجة دينها بيرفضها. دي كانت معركة هو كسبها عن طريق المثابرة واللعب على نقطة ضعف أبوها، اللي هي إنها تتعلم كويس عشان تحمي نفسها.
"هتعملي العرض باللبس ده؟" سألها **أسليم**.
بصت على اللبس اللي بيتكلموا عليه وعبست. هي كانت لابسة بنطلون تاني. مش غلطتها. مع مرور السنين، هي ببساطة لقتهم أريح بكتير من لبس الستات.
"أيوة." ردت ببساطة، وهي عارفة إن لو قالت أي حاجة تانية هينتج عنها كلام كتير مالوش لازمة. "أعلِن عن وجودي." قالت له، منهية أي كلام ممكن يكون عنده. مش دي مهمته كجنرال، بس **روكسولانا** بتحب تضايقه.