أول حاجة انتبهت لها كانت هوا بارد بينخز في جلدي، مخليني أتشمّر. تاني حاجة حسّيتها كانت ماية باردة بتدخل في وداني وأنا برفع إيديّي أملًا في إني أمسك أي حاجة. بعدين كان في ألم، جه مع إني صحيت أخيرًا. يا لهوي، كان بيوجع! الألم بيزيد في كل حتة في جسمي، بيلفّ في كل جزء فيّ. فتحت عينيا بس ندمت على طول. حسيت بعدم راحة وإبر حادّة بتخترق جلدي.
غمّضت عينيا تاني عشان أحبس شوية أنفاس هادية، وحاولت مرة كمان. المرة دي، نجحت، قدرت أخلّي عينيا مفتوحة أكتر من كام ثانية.
تحرّكت، بحاول أقوم. بس ده كان عقاب، طلعت صو يا لهوي خفيف من شفايفي. الألم انفجر في كل مكان، بس انتبهت لإيه المكان اللي بيوجع أكتر.
فجأة حسيت إني مش عارفة أتنفس. فيه طوبة كبيرة قاعدة فوقي، بتقفل عليا، بتحرمني من الأكسجين. خاطرت وبصيت لنفسي، والمرة دي، ما عرفتش أمنع الدموع من اللي عينيا شافته. جسمي كان مزرق و مضروب. خدوش و دم كان ماليين كل سنتي في جسمي، رجليا بتوجعني بشكل مش معقول، شوية حصى كنت بجري عليها من كام ساعة زودت الطين بلة.
بصيت على جنب، وانفجرت في عياط لما شفتي معصمي اللي مجروح. الدم كان بينزل في موجات حمرا بتلوّن الماية الزرقا.
يا ترى.. يا ترى نجحت؟
لأ. لأ، ما ينفعش أكون نجحت. الموت مش سهل كده، على الرغم من جماله الأبدي، مش ممكن أنجح. ممكن أعاني، بس عمري ما أنجح. حركت راسي على جنب، وخطوات بتتردّد في البيت الفاضي.
فاضي.
عيلتي مش موجودة. أهلي مش موجودين. ما نفّذوش وعدهم.
حاولت أصرخ بس راسي كانت تحت الماية.
كان بيوجع.
رؤيتي بدأت تتهزّ، الماية بتدخل في مناخيري، بتملى رئتي، بتحبس جدران جسمي. قدرت أسمع بصعوبة خطوات بتجري. حاولت أبص بس فشلت. قبضة التغيير سمّمت عقلي، مع وميض من اللهيب الوهمي. كان قريب أوي بس بهدف قاتل إنه يرضي رغباتي.
صوابع مسكت دراعي العريان، جسمي اتنفض، و يا لهوي خفيف طلع من شفايفي مخليني أخبط في الإمساك ده. دراعات قوية كانت بتلف حوالين جسمي بشكل بيوجع، بتديني الدفا اللي كنت عايزاه بشدة. ما قدرتش أتذكر إمتى كنت ملفوفة في فوطة لما اتركنت على السرير.
مع رؤية مش واضحة، حاولت أتخيّل منقذي، اللي أنقذني لما ما كنتش عايزة حد ينقذني. أنفاسي كانت قليلة، الماية كانت عميقة أوي في جسمي.
غمّضت عينيا، ملامح متعبة قابلتني. بس على الرغم من الوش اللي يجنن، عينيه الحمرا كانت مميزة. كنت قفزت وجريت على الجبال لو كنت في وعيي بس ما قدرتش. عينيا اتقفلت لوحدها لما صوابعه الباردة مشيت على خدي، ولّعت صدمات كهربائية في كل حتة في جلدي.
بيترجّاني وهو أطراف إبهامه بتفرك دموعي من تحت عينيا، يمكن هو نفسه يأس من إنني أذيّت نفسي عن عمد. ما عرفتش أعرفه.
كان مرعب إن واحد، ما أعرفوش، قدر يدخل بيتي، شافني عريانة وعنده عيون بتلمع بشكل غريب، مفروض تولّد موجة من الترقّب جوايا بس كل اللي كنت بحس بيه كان هدوء.
عقلي كان ضايع، غمّضت عينيا ببطء، ما نسيتش نظرة الارتباك اللي على وشه، عقل أصابعه الخشنة بتداعب ملامحي.
ابتسامة صغيرة قدرت تظهر على وشي.
دموعي افتكرت الألم، على الرغم من إن مخي مش قادر يستوعبه.
الظلام كان صديق قليل الأدب وخدني معاه.
"يا جدعان! بلاش دلع! مش فاضيين للكلام ده كله!" صوت عالي رن في ودنها، كرمشت من حدة الصوت. أخدت نفس عميق وميّلت لقدام عشان تبص لتحت بس رجعت تاني.
"أنا قلتلك، مش هعمل كده! على الأقل مش في حياتي دي!" سارة صرخت في صاحبتها لغاية ما صوتها بحّ بس لسه ما قدرتش تصرخ بصوت عالي زيها. عينها لمعت بأشعة الشمس لما الإصرار على إنها ما تنطش غرقها.
"مجنونة لو فاكرة إني هنط من هنا."
"أقسم بالله يا سارة، لو ما نطيتيش..." كان فيه سكوت لما نانسي ابتسمت بمكر. "هقول لـ ماتيو إيه كنتي بتعمليه من وراه."
"يا خراشي!" سارة اتنهدت جواها. ما ينفعش تخليها تقول لـ ماتيو أي حاجة.
"عارفة أد إيه أنا بكرهك؟ يا ربي، استني! لأ بجد…" سارة ما لحقتش تكمل جملتها قبل ما ذراع لُطش حوالين وسطها واتحدفت في الماية. صراخها تردد في غابة هادية لما نزلت في الماية بنزلة كبيرة.
"أهلًا يا سارة!" فالكون ابتسم بمكر وهو بيتفرج على سارة اللي في حالة ذعر وهي بتصارع في الماية. كان عارف أد إيه بتكره الماية، يادوب بتعرف تعوم، بس لسه كان بيعمل حاجات كده عشان يغيظها. بس البحيرة دي اللي هي و صحابها فيها، كانت ضحلة. اكتشفوا المكان الجميل ده من كام سنة لما في يوم كانوا بيستكشفوا أماكن برة المدينة.
أول مرة سارة شافت المكان ده، حسّت إنها في الجنة بماية صافية و أشجار طويلة واقفة حوالينها زي حصون. بس الحاجة اللي كانت بتحبها هي هدوء و سكينة المكان ده. خلّى حواسها هادية و هادئة.
"أنا كمان بكرهك يا فالكون فاينز!" سارة صرخت بمجرد ما لقطت نفسها. كانت بتحب الماية بس الغطس و السباحة مش بتوعها.
كانت بتحب الهدوء اللي الماية بتدّيه، النظر لماية ساكنة بيخلي مشاعرها ساكنة.
تنهدت وهي بتبص لنفسها. ما كانتش جايبة أي حاجة معاها غير تليفونها و المحفظة و دلوقتي كانت مبلولة من راسها لرجليها. ما تعرفش إن فستانها الأبيض اللي كان عليها زمان، بقى شفاف، بيبين البرا و الكيلوت البينك بتوعها. شعرها كان مالّي وشها.
نانسي ما ضيّعتش وقت وبدأت ترش ماية على سارة اللي خلاها تضحك وهي بترد نفس الحركة.
فالكون نط في الماية بصوت عالي خلا سارة تصرخ. عينها نزلت على جسمه لما فالكون طلع على السطح بعد شوية ولّف شعره عشان يتخلص من الماية الزيادة. البحيرة كانت ضحلة خالص و الماية كانت بتوصل لمنطقة جذعه. اتفرجت على نقط الماية وهي بتنزل على عضلات بطنه اللي معمولة، واختفت ورا الشورت بتاعه. عضلات البايسيبس بتاعته اتنفخت لما فرد دراعاته و ضحكة من القلب طلعت من صدره العضلي لما بص عليها.
مجرد الحركة دي بتبعث قشعريرة في ضهرها. عينها كانت بتبص على جسمه لما عضلات ضهره انقبضت. لازم تعترف إن شكله كان يفتح النفس.
كان موديل رجالي بس كان لازم يكون. الشعر الأسود اللي بيهتم بيه أوي كان ليه طبيعة متموّجة، علامة على شخصيته اللي مش بتهتم. العيب الوحيد اللي فيه هو إن حواجبه كانت مقوسة و أحيانًا بتتكرمش من الإحباط.
مناخيره اللي زي النسور كانت بتكمّل عظام خدوده البارزة. وسيم بطريقة مش مبالغ فيها، فكه البازلتي و كتافه الإسبرطية بيتكلموا عن القوة. عنده قوة كامنة زي الأسد و دايما بيمشي بهدف و سلطة.
دايما كانت بتعجبها عيونه الخضرا اللي زي الياقوت. على شكل لوز، ممكن تلمع زي نجوم الليل لما تكون مضيئة بالفرح. شخصيته مبهرة، الأوضة دايما بتتملي بصوته الرنان. كان كمان سريع إنه يقول نكتة أو يرد ردود ظريفة. لبسه الغريب كان مصدر تسلية لبعض الناس، بالأخص لأنه كان بيطلع منه ريحة أعشاب.
كان بيتكلم و عنده عضلات بس بشكل كويس. كان عندها إعجاب بيه بسبب شخصيته الجذابة بس عمرها ما جرأت تعترفله. كانت بتخاف من رفضه، حاجة مش كويسة معاها.
"بلاش تبصلي كده. أوعدك مش هعمل كده تاني." هي عارفة المعنى الحقيقي ورا كلامه.
هيعمل كده تاني.
برمت عينيها بابتسامة صغيرة على شفايفها وهي بتلف عشان تخبي خدودها اللي حمرا. كان صعب عليها تتحرك في الماية بسبب جسمها الصغير. الماية كانت بتوصل لحد كتفها و قوة معارضة كانت بتخلي الموضوع أصعب عليها إنها تروح أبعد.
كل حاجة كانت مختلفة في حياتها دلوقتي. عندها حبيب دلوقتي بيحبها أكتر من حياته و ما ينفعش تخسره.
ماتيو.
ماتيو و سارة كانوا بيتواعدوا بقالهم شهرين. شافته في مقابلة مع شركته. لقوا إن وجودهم مع بعض أكتر إثارة من المقابلة دي. تبادلوا أرقام، اتعشوا مع بعض، راحوا في مواعيد و بعدين ماتيو تقدّم ليها. ما شافت أي سبب ترفض بيه. هي كمان بتحبه.
بس المشكلة الوحيدة كانت، مع فالكون لأنه مش موافق على ماتيو. فالكون ما كانش بيدعمها بالكامل بس في النهاية فهمها. لسه فيه أوقات بيكون فيها اختلافات بسيطة بين ماتيو و فالكون بس مش أي حاجة مش ممكن تسيطر عليها.
"بلاش تقول إنك بتفكري في الزفت ده." صوت فالكون طلّعها من شرودها. ما بتحبش فالكون لما بيغلط في اسم ماتيو. ضيّقت عينيها وبصتله بغضب.
"اخرس! ما تخلينيش أندم إني سبت حياتك بسبب الحركة اللي عملتها!" سارة ضيّقت عينيها عشان تبص بشكل يخوّف بس بدل ده، شكلها زي دب غضبان. ما قدرتش تستحمل فكرة إن أي حد يغلط في اسم ماتيو.
فالكون رفع إيديه بيستسلم بنظرة مضحكة على وشه.
سارة تجاهلته وولّت وشها لصاحبة عمرها التانية، نانسي. جلدها الأبيض الشاحب بيلمع بأشعة الشمس لما عينيها الزرقا اللي زي النعناع بتلمع بابتسامتها اللي بتكهرب. سارة بتحب الطريقة اللي شعرها الأشقر البلاتيني بيحرك بيها عظام خدودها العالية. لو فيه حاجة سارة بتغير منها، هي جسم نانسي اللي معمولة.
الهوا البارد ضرب كتف سارة و لا إرادياً اتشمّرت. شفايفها اترعشت. مجرد الحركة دي ما فاتتّش فالكون. طلع بسرعة من البحيرة الصغيرة و نشّف جسمه بفُوط زيادة كانوا جايبينها معاهم.
"كفاية النهاردة. نرجع، الشمس بتغيب خلاص!" قال متجاهل تذمّر نانسي. سارة ما ضيّعتش وقت، في إنها تطلع من الماية. لما طلعت، جسمها كله اتشمّر بلمسة الهوا البارد. الجو برد في الليل.
نفس فالكون اتكتم لما عينيه بصت على جسمها بشراسة و هو بياخد كل منحنى بنظرته المركزة. جلدها اللي متشمّس كان بيلمع لما أشعة الشمس بتنزل عليها. ما قدرش يمسك نفسه عن إنه يبص عليها. كانت حاجة تنفع تتصوّر. شعرها الطويل أوي كان بينزل على ضهرها في موجات من البني القرفة. شفايفها الممتلئة اترعشت لما الهوا البارد لمسها بشكل مش بيعتذر. إيديها الصغيرة لفت حوالين جسمها الصغير اللي طوله 5’3. عينها اللي زي الغزالة البني الكبيرة اتقفلت. جسمها كان يستحق الموت. الطريقة اللي الفساتين كانت بتلمسها زي جلد تاني، بتخلي منحنياتها مميزة أكتر، بتخلّي جواه بيولّع. جلدها المثالي المتشمّس، اللي بيلمع في ضوء الشمس، جه من الشمس اللي كانت على وشك تختفي ورا الجبال الطويلة.
ما كانش عايز أي حاجة غير إنه يحتفظ بيها لنفسه بس هو عارف الأحسن من إنه يخالفه.
عينها اتفتحت على وسعها لما حسّت بدفا الجلد على كتافها. بصت وراها و شافت فالكون بيلبسها جاكت الجلد بتاعه. ابتسم لها وهو بيخبي رغبته ورا عينيه الخضرا اللي زي الياقوت وهي ردت الابتسامة.
"مش عايزك تبردي، صح؟" فالكون قال وهو بيتحرك ناحية كرسي السواق و قعد. سارة ما ضيّعتش وقت و دخلت في العربية الدافية. بصت وراها و لقت نانسي لابسة خلاص بنطلون جينز مغسول غامق و تيشرت أبيض، قاعدة ورا، بتقلّب في تليفونها. قعدت في كرسي الراكب و قفلت الباب.
سارة دلوقتي حاسة إنها كويسة شوية. كانت مرهقة النهاردة. حلفت إنها مش هتعمل كده تاني.
"يلا بينا" فالكون تمتم. شغل الموتور و ساب طريق مغطى بالتراب، بيودي برة الغابة. لما وصلوا للطريق الرئيسي فالكون بص على سارة و شافها بتغرق في النوم. كانت ماسكة في الجاكت بتاعه كأن حياتها بتعتمد عليه، طيب في الواقع كانت بتعتمد عليه. ابتسامة صغيرة ظهرت على وشه. 'دي كيوت أوي' فكّر في نفسه.
"هو عايزنا ننهي الموضوع" صوت نانسي طلّعه من أفكاره.
"إمتى؟" فالكون سأل من غير أي مشاعر في صوته. هو عارف إن في يوم ده هيحصل بس ما توقعش إنه يكون بدري كده. هو قضى سنين بيحميها و دلوقتي هي هتبعد عنه.
"في خلال أسبوعين" نانسي قالت وهي بتبص زعلانة. هي كانت أقوى امرأة معروفة بس دلوقتي قضاء سنين مع سارة خلّاها ضعيفة بشكل كويس. هي عمرها ما فكّرت إنها ممكن تكون قريبة من حد كده بس كانت غلطانة. سارة كانت أكتر من أي حاجة كانت تتمناها في صاحبة وهي بتكره إنها كدبت عليها.
فالكون من ناحية تانية كان مذهول من الخبر الجديد ده. تمنّى إنه يقدر يقضي وقت أكتر معاها بس ده كان لازم يتعمل. هي عمرها ما كانت بتاعته، من الأول. و دلوقتي خوفه من إنه يخسرها هيضربه في بطنه.
هي كانت بتاعة حد تاني بعد كل ده.