ماليشا كانت معصبة لدرجة إنها شافت الدنيا حمرا. اليوم اللي بدأ كويس انتهى بأسوأ يوم في حياتها.
هي استنت كتير أوي. كتير أوي عشان تصلح نفسها. حتى أملت إنها تعمل اسم جديد لنفسها. اسم جديد يمحو كل وصمة عار من حياتها القديمة.
اليوم ده ادالها فرصة مثالية و فرصة ذهية عشان ترجع لعالم المجتمع. بس، بعد اللي حصل الصبح، مفيش أي حاجة ممكن تنقذها غير المعجزة.
عشان كده، أيوه، هي معصبة.
أربع سنين شغل بجد راحوا في الهوا، ومش عارفة تحدد هي معصبة على نفسها أكتر ولا عليه هو، عشان هو اللي استفز الموقف ده.
ليه لازم يصعبها دايما؟ لو هو ماكنش موجود، أو لو كان فيه حد تاني. مالشيا متأكدة إن الموقف كان هيكون أخف بكتير، ومش سيء بالدرجة اللي وصلها في النهاية.
ليه دايما بيلاقي متعة في إنه يعذبها؟ الإجابات بتتهرب منها، بس الأكيد إنه هو الغلطان. قررت أخيرا.
"أوووف!" صرخت وهي بتشد شعرها من كتر الإحباط.
"مين في الدنيا بيروح يركب حصان في الساعات الأولى من الصبح؟" تمتمت لنفسها وهي ماشية في الطريق اللي جنب طريق أسفلت فاضي.
كان يوم جميل، على الرغم من الجو الحلو و المنظر الخلاب. في أي يوم تاني، كانت هتاخد وقتها عشان تتأمل في المنظر. تستمتع بالجمال اللي الطبيعة بتقدمه، بس نفس المنظر ده دلوقتي كأنه بيسخر منها. بيثير فيها مشاعر بتحط كآبة على مزاجها المتوتر أصلا.
ومع ذلك، أشجار الحور بتفضل ترقص في الريح. أشجار النخيل واقفة بوقار، وبتحرك فروعها للشمس في نص النهار. في المسافة، صورة مدينة كبيرة بتلمع. ناطحات سحاب طويلة، بتلمع، مغطاة بالزجاج، مغمورة في بحر من الخضرة.
دي كانت وجهتها في الأول.
سخرت من الفكرة، بس، أفعالها ما قدرتش تقلل من جمال أي حاجة. لا المدينة. ولا البحيرة الزرقاء اللامعة اللي على بعد أميال من الغرب.
دي بحيرة أورب. جوهرة المدينة و عاصمة فيتيروم. كان مفروض تروح للملحق هناك، بس بفضل هو و حركاته اللي مبتخلصش، انتهى بيها المطاف إنها المكان اللي مفروض تروح فيه عشان شغلها الجديد.
عقلها رجع للموقف، وماليشا لقت نفسها بتكشر على الذكريات اللي بتجيلها.
"مين دول؟" همست لنفسها وهي بتفكر في مجموعة الستات اللي كانوا متجمعين حواليه و عدوتها اللدودة التانية، جينيفيف ماذرز.
"ضيوفه ولا جزء من الحريم بتوعه؟" أضافت بسخرية. لسه فاكرة إن الراجل ده ماكانش لطيف بالكلمات اللي قالها عليها، و خلاها معصبة.
"تغريه؟ يا له من كلام مضحك!" سخرت. غضبانة و مولعة بغضب كتير لدرجة إنها بقت بتخليها تهرب من الواقع و ده كان كويس بالنسبة لها. عشان كده هي كانت كده. ماليشا كانت شخص ما يقدرش يتحمل فكرة تحمل المسؤولية أو إنه يجني عواقب أفعاله اللي عملتها للتو.
كان أسهل من التفكير في البديل أو الإعصار اللي هينتشر في فيتيروم قريب. كان أسهل. قررت وهي بتنطلق في طريق الغضب.
"تغريه؟" كررت الكلمات لنفسها. فكرت فيهم بس عشان تخلي عقلها يبعد عن الطريق ده.
"كأنني ممكن أوصل لدرجة متدنية كده. أد إيه فاكر إن الواحد ممكن يوصل لدرجة يائسة؟" على الرغم من كل حاجة، مبادئها كانت حاجة لسه مهمة بالنسبة لها، و كانت بتضايقها لدرجة كبيرة إنها تكتشف إنه ممكن يفكر في حاجة زي كده عنها.
تهاجمها مش بس كلماته، بس صور الصبح اللي بتجيلها في دماغها، ماليشا هزت راسها، بس الأفكار مارضيتش تروح من دماغها.
كان مؤلم، و كل ما الأفكار دي بتستمر، لقت نفسها بتصرخ من الإحباط. كانت بتصارع عشان متشدش شعرها، و إحباطها كان واضح على وشها من كل الاقتحامات العقلية دي. ومع ذلك، لقت نفسها بتتساءل، "هعمل إيه دلوقتي؟ فيه حتى طريقة تنقذ موقف اتدمر أكتر من إنه يتصلح؟" فكرت حتى وهي بتبص على فردة الجزمه اللي كلها طين اللي كانت بتختلف مع الأسفلت الرمادي النضيف اللي كانت بتمشي عليه.
مفيش طريقة تانية حوالين الموضوع. اعترفت أخيرا بالهزيمة. مفيش طريقة تتجنب العواقب، و المرة دي، هتكون فضيحة بمقاييس ملحمية، لو مكنتش أكبر من اللي حصل من أربع سنين.
"ليه ماسبتش الإيشارب اللعين ده في حاله؟" لعنت و هي بتخلي رجلها الحمرا اللي لوحدها تخبط في حجر تاني. الحصاة طارت و انتشرت في الطريق الرئيسي اللي بيمتد قدامها.
"والريح دي اللعينة!" علقت بسخرية، و بتسحب معاها رجل حافية و فردة جزمه حمرا بكعب مكسور في الطريق الضيق اللي معمول أسفلت.
مظهرها في حد ذاته كان دليل على محنتها و بالنظر إلى مزاجها العظيم الصبح. كان منطقي كمان عدد الصخور الفضفاضة اللي كانت عمالة تطير مع كل خطوة بتاخدها لقدام.
كانت محظوظة إن الطريق كان فاضي كمان. ده اللي بيحصل عادة، بس مع التحول السيء في صباحها، كانت كمان بتشك إن الطبيعة نفسها متواطئة عشان تشوفها مهانة.
"الطبيعة بتتآمر عليكي؟" صوت سخر.
كانت سامعة الضحك فيه و أكتر من كده، الأذى اللي كان مغطي لسانه اللي ماكنتش متوقعه تسمعه.
"مش دلوقتي..." تنهدت في داخلها. "يومي صعب كفاية من غير ما أضيف السلالة دي من الجنون للموضوع." قالت لنفسها.
"أو يمكن، كان شخص حقيقي بيتكلم؟" اتنشطت وهي بتبص حواليها و تجرأت على الأمل.
"أنا، يا غبية!" الصوت أضاف، و ماليشا ماقدرتش تصدق حظها السيء. "إزاي عمرك ما بتفهميش الأمور ده شيء مدهش. بتحطي نفسك في كل الهبل ده، إيه المعنى في أي حاجة من ده؟" الصوت نكد، و قلبها المسكين ماقدرش يستحمل أكتر.
المفاجآت. التحولات. كل حاجة حصلت الصبح دي شكلها كلها موجهة عشان تغرق المشاعر الإيجابية في هاوية مظلمة.
"تجاهلي بس. تجاهلي بس!" قالت لنفسها بضمير، بس شكل ضميرها كان عنده عقل خاص بيه زي العادة.
"معندكيش خجل؟" الصوت وبخها. "لازم تبصي على نفسك كويس في المراية. مش بس على انعكاسك، بس كويس..." سكت بطريقة بتوحي إنه بيفكر في الأمور.
"أنا أعتقد، إنه كله في انعكاسك على أي حال بس بجد، هل وقفتي تفكري في اللي أهلك هيقولوه؟ أنتي خلاص في خبر كان يا ماليشا!" فجأة ضحكت، و لثانية، قلبها شكله وقف. جسمها سكن حتى وهي بتوقف مشي تماما. أفكارها كانت دلوقتي مختلطة حتى وهي بتغرق ذاكرة بعد ذاكرة و إسقاطات عن ردود أفعالهم.
لحد دلوقتي، الشخص اللي بيهرب من الواقع فيها ما سمحلهاش تفكر في حاجات زي كده. حتى قدرت تحط ذكرياتها على جنب، و ضميرها. الشيطان الصغير كان دايما فعال جدا في إنه يعرف إيه الأزرار اللي يضغط عليها عشان يخليها تتجنن أكتر.
بضربة واحدة، دمر كل حيطانها و لخبط كل موانعها وهي أخيرا استسلمت للهلع. هلع كان بياكل فيها من البداية لما كل ده بدأ الصبح.