دخلت أستريد جونز الممر، وهي حاسة إنها تعبانة ومستنزفة. بصت في ساعتها وكانت الساعة تقريبًا واحدة وخمسة وثلاثين دقيقة. هيكون فاضل لها حوالي عشرين أو خمسة وعشرين دقيقة قبل ما يبدأ الشفتي بتاعها في المطعم، وما ينفعش تتأخر على الشغل.
عارفة قد إيه كان صعب عليها قبل ما تعرف تجيب الشغل ده، كان مهم جدًا بالنسبة لها، زي ما التعليم مهم.
فتحت باب أوضتها، واتفاجأت إن ساندرا، زميلتها في السكن، لسه في البيت. كانت نايمة على سريرها، ولسه لابسة البيجامة بتاعتها، وبتتصفح اللاب توب بتاعها.
"هاي يا رومي، رجعتي بدري أوي. إزاي المحاضرة؟" سألتها.
"زفت، بس كويسة." قالت بتعب، وهي بترمي شنطتها على السرير.
كان لازم تتنشط وتغير لبس الشغل.
"ده وحش." همهمت البنت بغياب عقل، وأستريد اتنهدت.
خلعت هدومها ودخلت الحمام الصغير عشان تتنشط بأسرع ما يمكن.
لما طلعت بعد كام دقيقة، ساندرا ما كانتش في الأوضة تاني، فخمّنت إنها راحت تصاحب صحباتها في أوضتهم.
يا بختهم.
اتجهّزت للشغل بسرعة، ولبست لبس الشغل، وبعد ما خلصت، سرّحت شعرها الأشقر الذهبي، وربطته في كحكة، وطلعت جري من الأوضة، وقفلت الباب وراها.
كان فاضل لها أقل من عشر دقايق عشان تكون في الشغل، وما ينفعش تخلي مدربتها تزعل منها.
لما طلعت برة عمارة السكن، أشرت لتاكسي وركبت، وديت للسواق عنوان المكان.
من زمان أوي، أستريد كانت بتحلم إنها تبقى كاتبة وتشتغل في دار نشر، وعشان كده ضاعفت مجهودها في حصص الإنجليزي والأدب، وانضمت لمجلس تحرير المدرسة، واشتغلت بجد عشان تقود رابطات الكتابة في المدرسة لمدة سنتين على التوالي.
بعد الثانوية، اتقبلت في جامعة كاليفورنيا، سانتا كروز، أهلها وافقوا على دخولها بمشاعر متضاربة، بسبب الوضع المالي للعيلة، بس بلير أثبتت قيمتها.
بعد أسبوعين من السنة الأولى، جابت شغلانة نص دوام في مطعم كوينز المشهور والغالي، اللي كان بيبعد خمس دقايق بس بالعربية من المدرسة، وحوالي عشر دقايق مشي من عمارة سكنها، وما كانتش أبداً حاسة إنها مش مستوفية.
المديرة، ست كبيرة في السن، غير ودودة، وزنها زايد شوية، اسمها ليليان وايت، ادّتها لبس شغل لطيف؛ قميص أبيض وجيبة زرقا قصيرة من القطن. لبس الشغل خلاها شكلها زي تلميذة أكتر من جرسونة، وكان كيوت أوي.
ساندرا وصاحباتها قالولها كده.
المرتب في كوينز كان كويس، الزباين بيدّوا بقشيش كويس، ومواعيد شغلها نادراً ما كانت بتتعارض مع مواعيد المحاضرات.
في أول أسبوع، اشتغلت تلات ليالي، ومرتبها كان دولارين في الساعة، والبقشيش خلاها تعمل حوالي تمانين دولار. الأسبوع اللي بعده، عملت حوالي مية دولار؛ الأسبوع الثالث، اشتغلت ساعتين زيادة كل ليلة، وعملت حوالي مية وخمسين دولار. دلوقتي، بتكسب من مية وخمسين لدورين وخمسين دولار كل أسبوع، وده أكتر فلوس عملتها لنفسها في حياتها.
التاكسي وقف قصاد المطعم، ودفعت للسواق، ونزلت من التاكسي بأسرع ما يمكن. استنت لما التاكسي مشي، وفوراً لما مشي، جريت في الشارع، وهي ماسكة شنطتها في حضنها.
فتحت الباب المزدوج ودّيت التحية لكام زبون، قبل ما تروح عند الكاونتر عشان تبدأ الشفتي بتاعها.
"تأخرتي خمس دقايق." صوت ست عميق اتهمها من وراها، وقفلت عينيها، وعبّست.
اتلفتت لصاحبة الصوت، وفتحت عينيها.
كانت واقفة، بتبصلها كأنها عيل مشاغب.
"آسفة يا مدام وايت، بس المحاضرات..."
"مش عايزة أسمع، أستريد، هخصم أجر ساعة من مرتبك." قالت بثقة.
"آسفة، وده مش هيتكرر تاني." ترجت أستريد الست.
"كان عندنا امتحان مفاجئ، وأخد وقت أكتر من الوقت المحدد، بس أوعدك ده مش هيتكرر تاني." طمنت الست، وهي بتظهر إنها مقنعة على طول.
ما ينفعش يخصم حتى أصغر خصم من مرتبها. عندها ميزانية، وطبعاً، لازم تجيب كتب لنفسها كمان. كانت محتاجة الفلوس أكتر من أي حاجة.
الست الكبيرة بصتلها شوية، وبعدين اتنهدت.
"طيب، بس المرة الجاية تتأخري فيها على الشغل، هخصم أجر يوم كامل من مرتبك." هددت.
"حاضر يا مدام. شكراً كتير يا مدام." شكرت أستريد الست بإفراط.
"الأحسن كده، لأني مش هكون متساهلة المرة الجاية." قالت بحماس، واتلفتت، وسابت أستريد مرتاحة.
"الأحسن تروحي تشتغلي، يا آنسة. الطلبات زادت أوي، ومش هدفعلك عشان تقفي كده وتعملي ولا حاجة فيهم." فكرتها، قبل ما تختفي من الباب اللي بيوصل للمطبخ.
"حاضر يا مدام." قالت أستريد، قبل ما تروح لصاحباتها عشان تاخد طلبات الزباين.
اشتغلت ساعة زيادة، أستريد مشيت من الشغل متأخرة أوي الليلة دي.
ودعت مدام وايت، وخرجت من المطعم. كانت تعبانة أوي عشان تمشي للبيت، ولسه لازم تذاكر عشان واجب قبل ما تنام. وهي واقفة برة المطعم، استنت تاكسي يعدي، بس ما فيش ولا واحد معدي. بعد ما استنت كام دقيقة، قررت تمشي لحد عمارة سكنهم.
وهي ماسكة شنطتها عشان تحميها، بدأت المشي للبيت.
أخد منها أكتر من عشر دقايق عشان توصل لعمارة سكنهم، ودخلت، متجاهلة مكالمة من دانيال، الولد من العمارة اللي جنبهم.
دانيال كان بيطلب منها تخرج معاه في الأيام اللي فاتت، وهي كانت بتدّيله إجابتها المعتادة، اللي هي لأ.
بس ساعتها، هو ما رضاش يسيبها في حالها.
حتى جاب ساندرا كام مرة عشان تكلمها، بس إجابتها كانت ثابتة. لأ يعني لأ، إيه اللي مش فاهمه؟
تجاهلت مكالماته تماماً، واختفت في السلم، وهي بتتحرك بأسرع ما رجليها تقدر تتحمله.
لما وصلت لأوضتهم، اترمّت على السرير بتعب، وخلعت جزمها من رجليها.
ساندرا ما كانتش موجودة، فخمّنت إن صاحباتها لازم يكونوا في حفلة أو حاجة، بيبسطوا وبيتسلوا.
يا بختهم.
عمرها ما أخدت وقت عشان تخلط بالناس بشكل صح من ساعة ما انضمت للمدرسة. كانت على قايمة القبول المتأخر، فكان عندها حاجات كتير لازم تخلصها، وكمان شغلها ما كانش بيديها وقت.
هي تقريباً بتحب الوضع ده. عمرها ما كانت من نوع الناس اللي بيحبوا الحفلات، وبتكره الأصوات العالية عملياً. فعشان كده تفضل تكون في أوضتها، بتقرا كتاب أو بتشتغل ساعات زيادة في الشغل، عن إنها تروح حفلة، تشرب خمرة وتسكر.
على عكسها، ساندرا بتحب الحفلات، وهي مش زيها، أو زي أحسن صاحبة ليها، أوليفيا، اللي حالياً في جامعة كاليفورنيا، طالبة سنة أولى بتدرس إدارة أعمال. ساندرا وصاحباتها، التوأم، ساشا وتاشا من الأوضة اللي جنبهم، وكمان أليكسيس ونومي، البنات من الدور التاني، مجموعة مع بعض. بيعملوا تقريباً كل حاجة مع بعض. من الروحات للنادي للحفلات إلى إنهم يواعدوا أصحاب السابقين لبعض ويروحوا رحلات تسوق. أستريد مش حاسة إنها مرتاحة أوي وسطهم، فعشان كده بتبعد عنهم. مش إنهم تأثير وحش... لأ. طبعاً، هما بنات وحشين، بس كويسين ليها، وهي بتتعلم كام حاجة من تجاربهم المختلفة، بس، هي بتبعد عنهم لأنها أخرق اجتماعياً، وعمرها ما هتعرف تدخل في مجموعتهم.
إيه فايدة إنك تنضم حتى لو عارف إنك عمرك ما هتندمج؟
بالظبط، ما فيش فايدة.
بعد ما قعدت على السرير لساعات، كانت هتدوخ تقريباً، لما افتكرت إن عندها واجب لازم تخلصه، وقفزت من السرير.
العشا كان خمس دقايق من المكرونة المقلية، وهي اشتغلت كذا مهمة مع بعض وهي بتاكل العشا وبتعمل الواجب.
كان لازم تقرا خمس فصول من "غرفة مع منظر" لإي. إم. فورسترز، وبعدين تعمل ملخص في صفحة واحدة للي قرأته.
وكمان، كان لازم تقرا "تيس ديوربرفيل" عشان تستعد لمحاضرات الفصل الجاي.
لما خلصت أخيراً، كانت الساعة اتنين وأربعين دقيقة الصبح. ساندرا ما رجعتش لسه، وهي ما اتفاجأتش.
ده طبيعي منها إنها ما ترجعش البيت بعد ما تروح حفلة.
لمت كتبها، وراحت تنام بعد ما قفلت الباب، وفتحت الستاير عشان ييجي هوا نقي.
بكرة يوم تاني.