رجول حافية بتخبط على أرض الغابة غير المستوية، تنفسها الثقيل بيكسر اللي بيقولوا عليه هدوء الليل. صوت بومة بيطن هنا وهناك، بوضوح في كل مرة كانت بتحبس فيها نفسها. الصراصير بتغني بفرح، ولا ليها دعوة بالفوضى اللي حواليهم، أو بالأحرى حوالين منطقتهم.
لما لفت عشان تبص وراها، شافت الشكل الكبير للمطارد بتاعها. ماسكة في بلوزتها المقطوعة، غطت نفسها عشان تحافظ على أدبها، حتى لو كل الأدب كان اتاخد منها.
خدودها اللي عليها دموع، دليل واضح على الأهوال اللي واجهتها، أو المفروض أقول لسه بتعاني منها.
"يارب رجاء ساعدني،" همست كتير وهي بتجري بشكل عشوائي في الشجر الكثيف.
ما يهمهاش لو الموت هيكون منقذها، لأن كل اللي كانت عايزاه هو السلام في اللحظة دي.
كانت عايزة بس توقف وترتاح، بس ده معناه إنها خسرت، ده معناه إنها ضعيفة.
ما ينفعش تدي له الرضا ده.
الفروع بتجرح جلدها وهي مستمرة في الجري. رجليها بتشتكي من العذاب اللي بتعمله ليهم. رئتيها بتطلب شوية هوا ضروري، بس هي بتجبر نفسها إنها ما تستسلمش لكل ده.
لما بصت وراها، ما توقعتش الجدر اللي خلاها تقع. بتحاول تقوم، سمعته بينادي على اسمها بغضب، واضح عليه الإحباط، أو لو ما كانش تعبان.
الألم اللي طلع في رجلها خلاها مشلولة عن أي حركة قوية، لإنها اتجبرت تترنح ناحية الفتحة. أخيرا وصلت للطريق المفتوح، بمعجزة ما.
شعاعين نور عموها، وجمدوها في نص الطريق، وهي بتحمي عينيها من النور.
"الموت ياخدني دلوقتي،" فكرت في نفسها. كان أحسن من مواجهة الوحش ده.
صوت الكاوتش بيصرخ، بيوضح إن العربية وقفت على بعد بوصات منها.
رجالة مسلحين نزلوا من العربيات، بيبصوا عليها بطريقة مرعبة. أسلحة نارية موجهة في اتجاهها.
"مين يجرؤ إنه يوقفني في ساعة زي دي؟" سمعت صوت بيزعق.
ما اهتمتش بالصوت ده، بصت وراها على الشجر اللي لسه طالعة منه، بس عشان تشوفه بيرجع للضلمة.
"محدش هيرد عليا؟" الصوت من الأول صرخ بغضب وهي بتنتفض من قسوة الصوت، وبتدور ناحيته، عينيها مفتوحة على الآخر من الخوف.
أول فكرة ليها كانت، إنها هربت من جهنم عشان تدخل في جهنم تانية، لما اتنين من الحراس اللي كانوا حاجبين رؤيتها بعدوا.
لما شافت الراجل اللي قدامها، شهقت، ووقعت على ركبها، وجبينها لمس الأرض وهي بتمتم اعتذاراتها.
"يا صاحب السمو، من فضلك سامحني،" صرخت وهي متأكدة إنها ما تجرأش تبص للرجالة اللي اتقال عليهم كده، لإن حياتها ممكن تخلص في لحظة لو هو عايز كده.
"إزاي تتجرأي توقفي موكبي للقصر؟ قوليلي إيه العقاب اللي شايفاه إنه المفروض يتاخد عليكي؟" قال وهو شايف رجليها قدامها.
"أي عقاب يشوفه الملك بتاعي مناسب،" همست وهي بترتعش من الخوف.
"قومي،" سمعته بيزعق.
ماسكة قميصها بإحكام، وقفت وهي بتحاول على قد ما تقدر تخفي ألمها.
كانت حاسة بعينيه عليها وهي واقفة قدامه، مش محتشمة. عينيها مقفولة جامد، بتصلي إن ده كله يكون كابوس.
اللي عمله بعد كده فاجأها، والأكتر من كده الحراس.
"بصيلي،" أمرها.
"أنا آسفة،" همست وهي مش متأكدة من اللي لسه سمعته.
"بصي. لي. أنا،" قال كل كلمة ببطء ووضوح.
بتعمل اللي اطلب منها، بصت في عينيه البني. ملامحه صعبة زي الجرانيت، وشه خالي من أي عابير وهو بيبصلها.
"ادخلي العربية. هتتنظفي على إيد موظفيني، وبعدين هنشوف عقاب مناسب ليكي بعد ما ترتاحي،" قال وهي بتشوف حارس بيطلع عليها في اللحظة اللي الملك فيها لف عشان يمشي ناحية العربية.
مسك دراعها بعنف، واتألمت بس عشان تحس إن الضغط راح في لحظة لما صاحب السمو الملكي وقف فجأة ولف عشان يحذر الحارس.
بتمشي بعرج ناحية العربية التالتة، وقعدت في الخلف شاكرة إنها أخيرا بعيدة عن رجليها. الباب اتفتح وكشف عن الملك نفسه وهو بيدخل وبييقعد جنبها. فضلت منزلة راسها، مش بتبص عليه خوفا من إنه يرميها بره العربية في أي لحظة عشان هو حاسس بكده.
الخبطة بتاعة العربية اللي وقفت عند تقاطع خليتها تتألم لما حزام الأمان عض في جلدها.
"المرة الجاية هتوقفي العربية زي الأبله هتكون آخر مرة تسوقي فيها،" صوته بيزعق في العربية، خلاها تنتفض من قسوة صوته وهو بيضغط على قفل حزام الأمان وبيفكه.
قطرات العرق اللي بتتكون بسرعة على جبهتها، ما عملتش أي حاجة وهي بتحاول تخفي خجلها.
لما وصلت للقصر، ودوها على أوضة الموظفين، من راجل كان اسمه جون، المكان اللي بتنام فيه كل الخادمات.
-----
"أهلا بيكي في بيتك يا حبيبتي،" الملكة ابتسمت لزوجها.
"شكرا،" همهم بتعب مع شوية ضيق وهو بيخلع الكرافتة بتاعته.
"يارب ما كانش في مشاكل في طريقك من لندن."
"ولا أي حاجة خالص. جبت بنت جديدة، ممكن تكون محتاجة شوية وقت للراحة. تأكدي إنها تاخد بالها منها،" قال وهو بيبص بقلق قبل ما تعابيره تتحول لبرود. "اقفلي الباب وراكي وانتي خارجة،" قال بنبرة جامدة.
الملكة ما فاتهاش علامات القلق على زوجها وهو بيتجه ناحية الحمام، وخلاها غضبانة وفضولية للبنت دي اللي اتقال عليها كده.
----
شمس الصبح كانت بتلقي أشعة نور من الشباك الصغير وهي ممددة في السرير. جسمها كان مليان عرق، وتألمت لما حاولت تقعد، ودوخة سيطرت عليها، واضطرت تنام.
"هي فين؟" سمعت صوت بيزعق ورأسها بتوجعها وهي بتوضح قوة الصداع.
الباب اتفتح وهي شافت الشكل من الليلة اللي فاتت. تألمت من صوت الباب الحاد وهو بيخبط في الحيطة. الخوف سيطر عليها فورا وهي بتتنفس في حالة ذعر.
"الدكتور ما شوفهاش عشان صحتها؟" صرخ وهي بتصنع من الخادمات اللي واقفين عند المدخل.
"ردي عليا!" صرخ، خلاهم ينطوا للخلف من الخوف.
"الملكة طلبت منه،" واحدة من البنات اتلعثمت وهو بيضيق عينيه في فتحات بيبصلها.
"نادولي على الدكتور بتاعي،" قال بصوت واطي خطر وهي بتجري بعيد عشان تدور على الدكتور. "قولوا للتانية تقابلني في غرفة العرش،" قال لواحد من الحراس.
بص تاني ناحية البنت الصغيرة وسألها سؤال واحد بسيط.
"اسمك إيه؟"
"اتكلمي بصوت عالي يا ست!" قال وهو شايفها بتبلع واضح وهي بتحاول تتكلم.
يا دوب قدرت تهمس اسمها، فاجبرته إنه ينحني ناحية شفايفها بعد ما شاف إنه ما لوش لازمة إنه يجبرها على الكلام.
"رودو،" همست قبل ما تقفل عينيها وهي بتبص مابعد التعب.
"أنتي وأنتي،" اهتموا بيها كويس. بعد ما تتعافى هترجع للواجب زي واحدة منكم، هل أنا واضح؟" زاعق.
"نعم يا صاحب السمو،" انحنوا من الخوف وهم بيتفرقوا، سامحينه إنه يمشي.